بين التصفية الجسدية والتّخليد الرمزي

الفن التشكيلي العربي وتَجَلّيات العنف السياسي

ياسر منجي

على امتداد تاريخ الفن العالمي، جسَّدت العلاقةُ بين السياسة والفنون نموذجاً إشكاليّاً فريداً، من نماذج التفاعُل بين ظواهر الإبداع الإنساني، وتَجَلّيات السُّلطة الزمنية، في تحولاتها المتعاقبة، وجَدَلِها التاريخي مع حركة التطور البشري، ومع ظواهر الحوار بين مختلف الحضارات والثقافات، والقوى التي يتوالى بزوغُها على مسرح التاريخ، ذلك الحوار الذي قد تطبعه نبرة التناغُم آناً، أو تحتَدّ وتتحشرَج آناً آخر؛ وفقاً لمقتضى الحال التاريخي.

وفي سياق هذه العلاقة الإشكالية، لم يفتأ خطاب القوة حاضراً بوضوح – وإن على تفاوُت في الدرجة والصخب – بدايةً من الاستعلاء الدعائي، مروراً بتوترات الشدّ والجذب الدبلوماسي والاستخباراتي – الذي تحفَل مُدَوَّنَتُه بتنويعاتٍ شتّى من الممارسات العقابية – وانتهاءً بِشَنّ العمليات العسكرية وإعلان الحروب.

وبطبيعة الحال، لا يمكن تَخَيُّل أن ثَمَّة انفصاماً بين هذه التطبيقات السافرة للقوة المُفرِطة، وبين نواتِجها النفسية، على المستويين الفردي والجمعي؛ مِن حيث اختبار الأفراد والجماعات لأنماطٍ شتى من القلق والتوتر، التي تتصاعد، بتصاعُد خطاب القوة، حتى تُلامِس حدود الخوف والهلع، بل وربما أنماط الرهاب المُزمِن.

ومن أهم الحوادث الموَثَّقة التي توضح مدى هذا التشابُك المعقد، في علاقة الأزمات السياسية بالفنون، والتأثير المتبادَل بينهما وبين ممارسات الفعل العنيف، حادثةٌ جرَت في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، تعلقت وقائعها بإحدى فواجع الاغتيال السياسي، التي كان لها أثر على مستقبل الوحدة بين مصر وسوريا، وهي حادثة تكشف كذلك عن جانب مهم من جوانب نشاط أحد أبرز فناني الجيل الثالث من نحّاتي مصر، وهو الفنان “مصطفى نجيب”[2] (1913 – 1990)، في أثناء وجوده في سوريا خلال الفترة ما بين عامي 1957 و1958. وتشي هذه الحادثة، من ناحية أخرى، بما كان لملابسات الواقع السياسي وقتها من تأثير خطير على مسار الحراك الفني العربي.[3]

نُشِرَت وقائع هذه الحادثة في أواخر خمسينيات القرن الماضي بمجلة “القوات المسلحة”، في مقال بعنوان “شَهِدْتُ اغتيال عدنان المالكي”، كتبه “جمال حماد”[4] (1921 – 2016)، الملحق العسكري في السفارة المصرية بدمشق خلال تلك الفترة، ثم أعيد نشر معظم هذه الوقائع مع تعليقات وتحليلات إضافية، في جريدة “الأزمنة” السورية، العدد رقم 256، بتاريخ 8 مايو (أيار) 2008، وذلك في مقال مطول بعنوان “ويبقى ملف سيرة العقيد “عدنان المالكي” واغتياله مفتوحاً على مصراعيه”، كتبه “شمس الدين العجلاني”.[5]

كان بطل الحادثة – أو بالأحرى ضَحِيَّتُها – هو العقيد “عدنان محمد شمس الدين المالكي”، الذي وُلِدَ في دمشق بحي “المهاجرين” عام 1919، واشتهر بتفوقه الدائم وجرأته الأدبية، الممزوجة بِوَلَعٍ بالحراك السياسي، مما أدى إلى تعرضه في أثناء خدمته العسكرية للعديد من المضايقات، ووَضعِه تحت الرقابة المشددة؛ بسبب مواقفه الوطنية المُناوئة للاحتلال الفرنسي، وبثه الروح الوطنية بين مرؤوسيه من ضباط وجنود.

وبعد الجلاء الفرنسي عن الأراضي السورية، أسهم “المالكي” في تأسيس الجيش السوري وأسس مدرسة صف الضباط، وخرّج أولى دوراتها، وكان مديراً لدورات عدة في الكلية العسكرية. وقد اعتُقِل “المالكي” في عهد “أديب الشيشكلي” لمطالبته بالعديد من الإصلاحات، وبعد عودة الحكم الوطني للبلاد برئاسة “هاشم الأتاسي”، عاد “المالكي” إلى الجيش وتسلّم منصب معاون رئيس الأركان العامة، وفي عام 1948 شارك في حرب فلسطين.

العقيد عدنان المالكي، صورة فوتوغرافية التُقِطَت له قبل اغتياله بفترة قصيرة

لمع اسم “المالكي” في العالم العربي كرجل عسكري وسياسي قومي، واختلف عدد من المحللين السياسيين في تحديد الضالعين في اغتياله.

وكان لنتائج اغتيال “المالكي” أثر كبير على نمو الحركات القومية واليسارية وازدهارها في سوريا والمنطقة، وتراجَع “الحزب القومي السوري”، وضُرِبَت قواعده واعتُقِلَت كوادره، وتم تصفية العسكريين الذين اتُهموا بالاشتراك في مقتله، وكذلك تم تسريح عدد من كبار الضباط.

عدنان المالكي – إلى اليمين – وإلى يساره “جمال حمّاد”، الملحق العسكري المصري بدمشق خلال فترة الوحدة بين مصر وسوريا. صورة فوتوغرافية التُقِطَت قبل اغتيال “المالكي” بفترة قصيرة

وبالرجوع إلى المقالين اللَذَين تضمّنا تفاصيل حادث اغتيال “عدنان المالكي”، وهو حادث جرت وقائعه في يوم 22 أبريل (نيسان) من عام 1955، على أرض الملعب البلدي بدمشق، في الدقائق الأولى من مباراة كرة القدم بين فريق “السواحل” المصري وفريق “الشرطة العسكرية” السوري، نجد أن “جمال حماد” يسوق الواقعة على النحو التالي:

“ولم تكد الساعة تبلغ الثالثة من هذا اليوم المشؤوم، حتى امتلأ الملعب البلدي على سعته، بجموع حاشدة من السوريين والمصريين مدنيين وعسكريين… وبعد دقائق قليلة من جلوسي أقبل العقيد “عدنان المالكي”، و…جلس في المقعد الذي ورائي مباشرة. لم تكد تمرّ خمس دقائق على بداية المباراة، حتى سمع المتفرجون دوياً هائلاً ثلاث مرات متتالية، ثم وجدوا المقصورة الرئيسة وقد سادها الهرج والمرج، وكنت خلال سماعي الطلقات قد استدرت للخلف، لأتبيّن سرّ هذا الدويّ، فوقعت عيناي على جندي سوري وقد ألصق فوهة مسدسه بصدغه، وأطلق رصاصة على نفسه فخرّ صريعاً على الأرض، وفي نفس اللحظة تبيّنت أمامي صديقي “عدنان المالكي”، وهو مازال جالساً على كرسيه، وقد أطرق برأسه على صدره، وانبثق من جبهته سيل الدماء. كل ذلك جرى في ثوانٍ قليلة وبسرعة مذهلة…”.

جسدت العلاقةُ بين السياسة والفنون نموذجاً إشكاليّاً فريداً، من نماذج التفاعُل بين ظواهر الإبداع الإنساني، وتَجَلّيات السُّلطة الزمنية

وحين ننتقل من هذا السياق الفاجع إلى ما أعقبَه من نتائج ووقائع، تتصل اتصالاً مباشراً بالممارسة الفنية، التي استَهدَفَت تحويل هذه التصفية الجسدية إلى تخليدٍ رمزيّ لا يخلو من طابعٍ قوميّ، نجد أن عدداً من المصادر، التي وثَّقَت لهذه الأحداث، تفيد بأن جثمان “المالكي” دُفِن في قبر مؤقت، ثم نُقل إلى ضريح أقيم بدمشق في الساحة التي أطلق عليها اسمه، واشترك الشعب بجميع طوائفه في تشييد الضريح.

وسرعان ما نكتشف خلال القراءة “أن مصر قد ساهمت أيضاً في تشييد هذا الضريح بإرسال بعض أحجار الجرانيت… ليكون الضريح رمزاً للوحدة بين مصر وسورية، وخصّصت الكلية العسكرية في حِمْص غرفة خاصة تضم ذكريات الشهيد…”[6]. ثم نكتشف دور الفنان “مصطفى نجيب” في تخليد ذكرى هذا الرمز العسكري العربي؛ عندما نقرأ أنه: “… كُلّف بعد عدة سنوات من استشهاد “المالكي” الفنان المصري “مصطفى نجيب” بصنع تمثال بالحجم الطبيعي لـ”عدنان المالكي” وانتهى منه، وشاهده آنذاك اللواء “عفيف البزري”[7] القائد العام للجيش في الإقليم السوري ووافق عليه، وطلب تكبيره إلى مقاس أربعة أمتار ونصف، وأن يكون من النحاس ليوضع وسط الساحة أمام الضريح، ولكن لأسباب نجهلها لم يتم صنع هذا التمثال، وقام الفنان السوري “فتحي محمد قباوة”[8] بصنع التمثال الموجود حالياً في ساحة عدنان المالكي”.

فتحي قباوة، نموذج نصفي لتمثال “عدنان المالكي”، نسخة جصيّة للنموذج الأوَّلي، الذي حلّ محل تمثال “مصطفى نجيب”، الملحق بمشروع ضريح “المالكي”. تم تنفيذ التمثال البادي في الصورة عام 1958

وحين نتأمل في الظروف والوقائع التي صاحبت اضطلاع “مصطفى نجيب” بهذا التمثال، الذي لم يكتمل مشروع إقامته، تتبين لنا بعض التفصيلات الدقيقة، التي بدا معها المشهد السياسي على شيء من التوتر بين بعض رموز الجانبين المصري والسوري، والتي أُرَجِّح أن تكون قد ألقت بظلالها السلبية على اكتمال النسخة الميدانية من التمثال، الذي لم يكن هناك سبب واضح لعدم المُضيّ قُدُماً في مشروع إقامته، خاصة وأنه كان بموجب تكليف رسمي لـ “نجيب”، وأنه انتهى بالفعل من نحت نموذجه الأوّلي، إضافة إلى ما لاقاه من استحسان اللواء “عفيف البزري”، وطلبه تكبيره لوضعه بساحة الضريح. فما الدافع إذن خلف محو كل هذا الشوط الطويل من الإعداد للمشروع؟ وما تلك التفصيلات التي أشرتُ إليها، وافترضتُ تأثيرها على مشروع التمثال الذي نحته “نجيب” لـ “المالكي”، والتي وصفها مؤرخو هذه الفترة بأنها (أسباب نجهلها)؟

عند مراجعة أحداث تلك الفترة، نتبين أن ثمّة شقاقاً حادّاً وقع بين “البزري” والمشير “عبد الحكيم عامر”، نتج عنه في النهاية تسريح “البزري” من الخدمة العسكرية واعتزاله في الظل.

صورة تذكارية لاجتماعات مفاوضات الوحدة بين مصر وسوريا، التي تمّت في القاهرة، في يناير (كانون الثاني) 1958، ويُرى الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” بمنتصف الصف الأول، وإلى جواره مباشرةً، من اليمين، اللواء “عفيف البزري”، رئيس وفد المفاوضات السوري، وإلى اليسار منه المشير “عبد الحكيم عامر”.

وتلك، كما نرى، نهاية مؤسفة لرجل في وزن “عفيف البزري”، لعب دوراً محورياً في إتمام الوحدة بين البلدين؛ عندما كان على رأس الوفد العسكري السوري الذي ذهب إلى القاهرة سرّاً، مطالباً بالوحدة الفورية في يناير (كانون الثاني) 1958، حيث ترأّس الاجتماعات مع “عبد الناصر” خلال الفترة التي قضاها من 13- 16 يناير (كانون الثاني) في مفاوضات الوحدة بالقاهرة.[9]

فهل يكون المشير “عبد الحكيم عامر” أعطى توجيهات بعدم إتمام النسخة الميدانية من التمثال الذي كان “البزري” يتولى الإشراف على مشروع إقامته، أم تراه كان ردّ فعل من قِبَل الجانب السوري إزاء ما لقيه “البزري” من الطرف المصري؟ أُرَجِّح أن يكون كلا السببين قد أنتجا أثرهما، الذي ترتب عنه غياب تمثال “نجيب” في طوايا النسيان، واستبداله بتمثال “فتحي قباوة” الذي لا يزال قائماً حتى الآن في ميدان “المالكي”.

على أية حال، لم يكن التمثال الجديد بِدَورِه بعيداً عن مصر وثقافتها؛ إذ كان النحات السوري الموهوب “فتحي قباوة” أحد الفنانين العرب الذين أفادوا من مناخ الحركة التشكيلية المصرية وتأثروا بها؛ ففي عام 1944 – أي قبل حوالي ثلاثة عشر عاماً من تكليفه بعمل تمثال “المالكي” – التقى “قباوة” بعميد الأدب العربي “طه حسين” بالمَجمَع العلمي بدمشق، خلال الاحتفال برفع الستار عن تمثال “أبي العلاء المعري”، الذي نال “قباوة” جائزة خاصة عنه؛ لتفوقه في إظهار الخصائص النفسية التي لخصها المؤرخون لشخصية “أبي العلاء”، ودلّت عليها أعماله. وخلال هذا اللقاء، نصحه “طه حسين” بمتابعة دراسته الفنية في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وهو ما تم بالفعل، ليدرس “قباوة” التصوير والنحت بالكلية القاهرية العريقة، وليحصل على إشادة من أستاذه المصري الفَذّ “حسين بيكار”، لبراعته التي أبداها في التصوير الزيتي، ودقته في رسم تفاصيل ملامح الوجوه وفق التعاليم الأكاديمية والواقعية.

فتحي قباوة، تمثال عدنان المالكي، نحت من البرونز، ضِعف الحجم الطبيعي، لقطة من زاوية سفلية، توضّح جزءاً من التمثال كما يبدو حالياً فوق قاعدته؛ موجود بساحة “المالكي”، دمشق، سوريا.

وبقليلٍ من التأمل للبِنية التصميمية للتمثال، يتبين أن “قباوة” قد اعتمد في تأسيسها على اعتبارَين رئيسين: أولهما هو التأكيد على الصفة العسكرية للشخصية، وهو ما يَشي بأن السياق الاحتفائي بشخصية “المالكي”، الذي راح ضحية فعل إرهابي على خلفيات سياسية، لم يَفصِل بين صِفَتِه النضالية الوطنية، وبين هويته المِهَنية ذات الصبغة العسكرية. وسواء كان ذلك الربط قد نَجَم عن قرارٍ حُرٍّ مِن قِبَل الفنان، أو بإيعازٍ من المؤسَّسة التي كَلَّفَته بمشروع التمثال – وهو الاحتمال الأقرب للمنطقية في ظننا – فإن تصميم التمثال، بالتالي، قد اكتَسَب صِبغةً رسميّةً، بدرجةٍ غَلَبَت على صِبغَتِه الوجدانية، التي كان من الممكن أن يُفسَح لها المجال في حال التركيز على الصفة الإنسانية للشخصية.

أما الاعتبار الآخر، الذي مسّ المُضاهاة الحَرفية لِقَسَمات “المالكي” وهَيئَتِه، بأسلوبٍ أكاديميٍّ، يُعَوِّل على تجسيد الواقع، بأكثر مما عَوَّل على استثمار إيحاءات الرمز وطاقات التعبير.

ونتيجةً لذلك، فقد أتى التمثال – كما هو مُبَيَّن بالشكلَين المُوَضّحين له سابقاً – نموذجاً للتماثيل التذكارية التقليدية، التي يستهدف صانعوها، في المقام الأول، استحضار الهيئة الظاهرية لشخصيةٍ بعينها، وتكريسها نحتياً في الفضاء العام، بُغيةَ تأسيس ذاكرةٍ قوميةٍ، أو تخليد حادثةٍ تاريخية محددة، لا بُغية اتّخاذِها مُنطَلَقاً للبحث والتجديد الأسلوبي.

غير أننا، من جانبٍ آخر، لا يمكننا اتخاذ الملحوظة السابقة مقياساً للحُكم التقييمي على العمل، أو مُسَوِّغاً لتصنيفِه تصنيفاً سلبياً؛ إذ إن هناك اعتبارين مهمين، آخرين، يجب الالتفات إليهما، لفهم السياق الذي أفضى إلى خروج التمثال على هذا النَسَق الأكاديمي التقليدي. يأتي الاعتبار الأول ممثَّلاً في الخلفية التأسيسية الأكاديمية للفنان نفسِه، بِوَصفِه واحداً من فناني جيلٍ الترسيخ للمُحتَرَف السوري، مِمَّن كانت معايير الحَذَق التقني، والمهارة التشخيصية، والإحكام الأدائي، هي معايير المُفاضَلة المهارية والإبداعية بينهم.

أما الاعتبار الثاني، فيتمثل في طبيعة المناخ الثقافي العربي، الذي كان سائداً إبّان اضطلاع “قباوة” بإنجاز التمثال، والذي كانت المفاهيم القومية تُلقي بظلالها على مُجمَل سياقِه، دافعةً، مِن ثَمّ، بالمبدعين، على اختلاف مجالاتهم، إلى التركيز على مخاطبة شرائح القاعدة الأوسع من المواطنين، مِمَّن قد يَعسُر قبولهم لأنماطٍ من الخطاب التجريبي المُغامِر، أو أشكالٍ من الإبداع المُفرِطِ في حداثَتِه.

لذا، لم يكُن من باب الصُدفة أن نرى الكثرةَ الغالبة من أعمال النحت الميداني، وكذا أعمال التصوير والرسم، والتصميم الجرافيكي، التي سادت أغلب المعارض القومية والجماعية آنذاك، تُراوِح أسلوبياً بين تيارات الواقعية والأكاديمية والواقعية الاشتراكية، باعتبارها أكثر الاتجاهات الفنية مُلاءمةً لمقتضيات التعبير المباشر عن قضايا وثيقة الصلة بالواقع العربي وخطاباته السياسية وقضاياه المُلِحّة وقتها.

عموماً، وأيّاً كانت رؤيتنا لوقائع هذه الحادثة المُلتَبِسَة – سواء فيما يتعلق بوقائعها الدموية أو فيما يتعلق بتداعياتها الفنية المتقاطعة مع حسابات السياسة – ففي تقديري إن أبلغ دلالة يمكن أن نستَصفيها من خلالها، تلك الدلالة المتعلقة بقدرة الفن على تحويل أشد اللحظات حُلكة إلى لحظاتٍ رمزية مستقرة في الوعي الجمعي، ومرتبطة بِقِيَم إنسانية تستَعلي على العنف والإرهاب، بل وعلى سُلطة الفَناء ذاتها، ليتحول الغياب الجسدي إلى خلودٍ رمزيٍّ يتسلّح بقوة الجَمال في مواجهة الإرهاب، أيّاً كان نوع هذا الإرهاب وتصنيفه، وأيّاً كانت وسيلته.


[1] نشر هذا المقال في مجلة ذوات الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، عدد 57

[2] تخرج من مدرسة الفنون الجميلة بقسم نحت عام 1929، ونال بكالوريوس الفنون الجميلة من أكاديمية روما بإيطاليا عام 1932. كُلِّف من قِبَل الديوان الملكي في عهد الملك فاروق بتصميم وإنشاء تمثال للملك فؤاد في ميدان عابدين، وآخر أمام جامعة القاهرة 1949. وبعد قيام ثورة يوليو 1952 تم تكليفه ضمن لجنة فنية للإعداد لاحتفالات الثورة، وحصل على “وسام الاستحقاق” من الدرجة الثالثة عام 1964، ولُقِّب بأسرع فنان وخاصة في البورتريه.

أسس أكاديمية نجيب لفن النحت في شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1972، وقد تتلمذ على يديه عدد من الفنانين الأمريكيين المعاصرين.

[3] راجع: ياسر منجي: “النحات مصطفى نجيب: سيرة مُعَلِّم على حوائط الغُربة”، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2014

[4] ضابط مصري شارك في حركة الضباط الأحرار، وكتب البيان الأول لها. انتُدِب للعمل ملحقاً عسكرياً لمصر بين عامي 1952 و1957، في كل من سوريا ولبنان والأردن والعراق. أصدر عدة كتب عن ثورة يوليو وأسرارها، حتى لقب بـ(مؤرخ الثورة).

[5] شمس الدين العجلاني (1951- ): صحفي وكاتب سوري، عُيّن مديراً للمكتب الصحفي في مجلس الشعب 1996 – يونيو (حزيران) 2004. أشرف على إصدار العديد من الصحف والمجلات السورية (رئيساً لتحريرها)، وأصدر عدداً من الكتب.

[6] شمس الدين العجلاني: (ويبقى ملف سيرة العقيد “عدنان المالكي” واغتياله مفتوحاً على مصراعيه)، جريدة “الأزمنة” السورية، العدد 256، 8 مايو (أيار) 2008

[7] “عفيف البزري” (1914 – 1994): عسكري سوري، كان على رأس الوفد العسكري السوري الذي ذهب إلى القاهرة مطالباً بالوحدة الفورية في شباط 1958. وفي عهد الجمهورية العربية المتحدة، ترقى إلى رتبة فريق وعُين قائداً للجيش الأول قبل أن يصطدم مع المشير عبد الحكيم عامر الذي أحاله على التقاعد.

[8] فتحي قباوة (1917- 1958): ولد بمدينة حـلب، وتردد على مرسم الفنان “وهبي الحريري”، وفي عام 1944 فاز بجائزة المجمع العلمي بدمشق عن تمثاله (أبو العلاء المعري). نال شهادة دبلوم بدرجة شرف من أكاديمية روما 1951، وتابع دراسته في روما. ضُمَّت بعض أعماله إلى جناح الفن الحديث في المتحف الوطني بحلب.

[9] للاطلاع على تفاصيل أحداث تلك الفترة، وتوترات العلاقات الإقليمية والشخصية بين الأطراف المعنية بها؛ راجع:

Saunders, Bonnie F. (1996), The United States and Arab nationalism: The Syrian case, 1953-1960 Greenwood Publishing Group.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *