الفكرة النظرية لمفهوم ما بعد الحداثة

احمد جمعة البهادلي

الفكرة النّظرية لمفهوم ما بعد الحداثة.

قطعا ثمة اجترار غريب في تداول المعرفة اليوم، ويمكن لأي متطلع أن يكشف ذلك بمجرد ما يقوم بمراجعة النّصوص الأكاديمية التي تناولت موضوعاً مهماً كموضوع ما بعد الحداثة، ليست الأهمية التي ينشدها المصطلح في كونه ما يمثل الجدة أو الآن أو الواقع الرّاهن، إذ في ذلك ثمة آراء مغايرة، ترتبط بالواقع الفعلي ذاته، وإنما في كونه مرتبطاً بنا، ومرتبطاً بثقافتنا الرّاهنة كذلك، تلك التي قدر لها أن تكون كونية ومتجاوزة للكثير من المعطيات والمقولات الفلسفية أو العلمية، وليس من المناسب أن يكون ما يمثل وجودنا وواقعنا عبارة عن اجترارات وتكرارات يستلبها الآخر عن الآخر، فما الجديد في أن يكون (أ) منسوخا من (أَ)، الأمر الذي دعاني إلى طرح (الفكرة النّظرية لمفهوم ما بعد الحداثة)، من جهة مغايرة لم يتسنَ للآخرين الخوض في غمارها أو على الأقل فأنها خارج منطق الاجترار والتّكرار، ليس سعيا في طلب المخالفة، وإنما تحصيلا لطلب الإضافة في رصد ظاهرة فكرية أخذت تعني أو تشمل العالم كمحيط كوني (كوزمولوجي) أو شمولي.

صحيح أن خصوصية المصطلح بما هو (postmodernism) في قراءته الفعلية إنما هو يشير إلى ثقافات وفلسفات (أوروبية – أميركية)، إلا أن التّداخل التّقني المنشود الذي تتغنى به فكرة العولمة، قد أحال العالم اليوم إلى قرية صغيرة، وبالتّالي فإن ما يشير إليه المصطلح قد لا يعنينا نحن كشرقيين، إلا أنه ليس بمستوى غموض مصطلح (الحداثة: modernism)، خاصة وان تلك المرحلة لم يكن فيها ما يشير إلى تواصل الحضارات في ما بينها بالشّكل الذي تشير إليه اليوم، عبر تقنيات تداول المعلومات المعاصرة، ولا ننسى الجهود العلمية التي سعت لتأكيدها الكثير من المؤسسات التّعليمية الشّرقية، لمد جسور التّواصل المعرفي عبر ترجمة نتاج الفكر الغربي المعاصر وانفتاح مفهمة الاشتغال التّقني على مصراعيه، ذلك كله دعا لان يكون مفهوم (ما بعد الحداثة) مفهوما اقرب للفهم والمعايشة التّأملية، فقد جعل الانفتاح على التّقنية ونظام الاشتغال البرمجي عبر شبكات التّواصل العنكبوتية (المعلوماتية) من الحدود أن تبدو غير موجودة إلا في إطارها السّياسي، وكل ما عدا ذلك فأن المعرفة متاحة للجميع، تماما كالإعلان أو المواد الاشهارية اليوم، التي تجاوزت اللّغة والمكان والزّمان.

وعلى الرّغم من ذلك يصاب كل من يتوجه بالكتابة عن هذه الفترة المعاصرة بالحيرة؛ نظرا لما فيها من سعة وتنوع زمكاني وتباين فكري وتعدد في أعلامها وكثرة تياراتها ومذاهبها، إلى غير ذلك من مجتمعات وثقافات. حتى لا تبدو أفضل الأسئلة عن هذه البعدية (ما بعد) إلا وهي أسئلة طفولية تشبه إلى حد ما استعلام الطّفل لأبيه، عن بعض الحالات الوجودية التي يسأل عنها مرارا وتكرارا، وكأن الحقل المعاصر الذي يتمثل بالجدة، يحتاج فعلا إلى استعلام طفولي أولي، وتساؤلات محروقة، طالما تساءل عنها كل واحد منا: متى ولدتُ؟، ما الفرق بيني وبينك؟، فهذان السّؤالان إنما يمثلان خصوصية الفرد بما هو ذات واعية، وكل فرد في خصاصة وعيه لا بد من انه قد استعلم عن راهنيته التي تمثل وجوده في عصره، وعن الفوارق بين اليوم والبارحة، حتى يبدو السّؤال في منطوقه الأصح: متى ولد مفهوم (ما بعد الحداثة)؟، وما الفرق بينه وبين مفهوم (الحداثة)؟. وعلى الرّغم من كل صلات المعاصرة والتّواصل المعلوماتي والتّقني بقيت هذه الإجابات عن هذه الأسئلة مكتنفة بالغموض، وعدم التّحديد المشخص لوقت معين ليكون مفتاحا إدراكيا لانتقال الفكر من الحداثة إلى ما بعدها. وهذا ما يؤكد حيرة الباحث الأكاديمي بشكل عام للحيلولة دون الوقوف على دراسة تتعامل مع التّعاقب التّاريخي بينالحداثة وما بعد الحداثة، بشكله الذي شهدناه مع تعاقب العباسيين بعد الأمويين في التّاريخ الإسلامي مثلا، مع الفارق بين دلالة المطلبين والتّمسك بفكرة التّعاقب التي تحملها دلالة اللّفظ (ما بعد).

يكاد يصل الانفتاح في تحديد زمكانية المصطلح (postmodernism) إلى العام (1875) بحسب إشارة (توينبي: 1889 – 1976)[1]، ويمتد إلى أواخر القرن العشرين[2]، وهذا يعني أننا أمام انفتاح هائل فكرياً، وزمانياً، ومكانياً، انه انفتاح في مفهمة المصطلح، يكاد يكون كوزمولوجيا، كما انه لا يوجد هناك خط فاصل بين الحداثة وما بعد الحداثة، كما لا يوجد من يستطيع الوقوف على كليهما في بنيتين قدر لهما أن يكونا محطتين للبحث الأكاديمي منذ مطلع القرن العشرين، وربما أمكننا القول بشكل عام إن الحداثة أوروبية وما بعد الحداثة أميركية، غير أن هذا القول لا يعني أبدا أننا نقيم فاصلا مكانيا بينهما؛ لأنهما قد تداخلا حتى في المكان معا.

ترى ما الذي يعنيه لفظ ما بعد الحداثة؟ وهل هي مجرد لفظة تشير إلى التّسارع العلمي و(التّقني) الذي يميزها عن الحداثة فتكون لاحقة لها وليست بعدية بالمعنى الذي يثيره لفظ (بعد)، وان كانت بعدية انفصالية فهل نفهم منها تشكيلها لنظام فلسفي اجتماعي وسياسي وفني جديد، أم أنها مجرد استكمال لمعطيات الحداثة مع تبادل الأدوار بين مراكز القوى الأوروبية والأميركية، خاصة إذا ما نظرنا إلى التّحول السّريع من احتكار رأس المال في أنموذج المصنع والقوى الإنتاجية إلى الشّركات متعددة الجنسيات (القابضة)(Holding Company)[3]، بحسب ما أشار إلى ذلك (فريدرك جيمسن)، وبالتّالي تسجل كمعطى اقتصادي أكثر مما هي فكري[4]. سواء أكان ذلك بمفهوم القطيعة أم بمفهوم الاستكمال.

إذاً فمصطلح ما بعد الحداثة يبدو مصطلحا له مفهوم فضفاض يصعب الإحاطة به من جراء ما به من تمدد، تماماً كما كان لفظ الحداثة مجرد عن هذه (البعدية) بوقت سابق. وهنا يكون قول (بودريار: jean baudrillard)(1929-2007)[5] في محله إذ وصف ما بعد الحداثة بأنها “حالة من فقدان المركزية، ومن التّشعب، نساق فيها من مكان إلى مكان عبر سلسلة متصلة من السّطوح العاكسة كالمرايا المتقابلة”[6]. تلك التي تشير إلى الشّيء أو إلى المفهوم وما بعده وبشكل متقابل ضمن أفهومة المجاوزة، حتى يبدو أن مقطع (ما بعد: post) الذي شاع استخدامه في الحراك (الكوني: العالمي)[7] بخصاصته الغربية تحت تسمية (الحركة ألما بعدية)[8] يشمل موضوعات متنوعة كما يذكر ذلك (الخريسان) “ما بعد البنيوية، ما بعد الماركسية، ما بعد الرّأسمالية، ما بعد الصّناعي، ما بعد الوضعية، ما بعد العلمانية، ما بعد المنهجية، ما بعد الرّمزية، ما بعد التّاريخ، ما بعد الفلسفة ما بعد الايديولوجية، ما بعد الميتافيزيقيا، ما بعد العولمة، ما بعد الفوضوية، ما بعد العقل، ما بعد العقلانية، ما بعد الواقعية، ما بعد الاستعمار، ما بعد الصّهيونية، ما بعد اليهودية، ما بعد المسيحية، ما بعد الحداثة الإسلامية، ما بعد المعرفية”[9]، وكأن لهذه (المابعد) ثمة سلطة لتجاوز ما قبلها، في كونها نمطاً من المتداول القصدي، وليس الاعتباطي.

إلا أنها في الوقت ذاته تجعل منا محط اختلاف في تحديد معناها أو تأويله، فهل هي تشير إلى كونها نتيجة، أم إلى كونها متعاقبة أو هي ولادة أو تطور أو رفض أو بديل[10]. وليس يخفى ” أن التّقدم التّاريخي قد شكّل الحامل الرّئيس للحداثة وبنيان مشروعها؛ لذلك كان لا بد أن تركز فلسفة ما بعد الحداثة بشكل أوليّ على نقض مفهوم التّقدم التّاريخي وإبرازه بشكل كارثي “[11]، وهذا ما جعل ما بعد الحداثة تدخل في جدلٍ دائم ومستمر مع الحداثة، بل إن وجودها مرتبطٌ بضرورة نقدها، وهذا ما استدعى (هابرماس) إلى القول بأننا بدلاً من التّخلي عن المشروع الحداثي لحساب الفوضى التي يطلق عليها ما بعد الحداثةَ علينا أن نجدد المشروع الحداثي عن طريق ترميم أخطائه وتجاوزها[12]، وإذا كانت الحداثة في كثير من الأحيان قد بدأت بالرّفض للقوانين والقيم والأخلاق والدّين، فان ما بعد الحداثة جاءت لتطبيق ذلك الرّفض، وكأن الحداثة كتبت نفسها في كتاب ليطبق في ما بعدها وبشتى الميادين، فالمقدس الذي رفضته الحداثة في بنيات منجزاتها كثيرا ما كان يدعو إلى التّفاخر بين أوساط المحدثين، وكأنه تسجيل لتاريخ جديد، سرعان ما حلَّ بديلا عنه مقدس آخر غير ذلك الذي كانت تجتمع لأجله النّاس في أفكار (ميتافيزيقية) السّياق، إذ حلَّ بديلاً عنها وحدة إيمان جديدة لا تشترط الاجتماع وإنما تستدعي التّفكك والتّشظي.

وإذا ما حاولنا الاختزال في المفهوم أكثر فأكثر، فإننا سندرك أن نقطة التّمايز ما بين الحداثة وما بعدها تتمثل بالاتحاد الفكري وتفكك هذا الاتحاد في ما بينهما، أي إن الحداثة في كثير من معطياتها، وعلى الرّغم من وجود الاختلاف فيها، بقي عامل واحد اتحدت فيه كل سمات الإنجاز الفنية وربما المعرفية والسياسية، وهو (الرّفض) لكل ما هو أيقوني، وما بعد الحداثة – تبعا لنمو مبدأ الاختلاف – أصبح فيها ذلك (الرّفض) بمثابة الطّرفة عندما يحين ذكره، لا لأنه واحد من مقوماتها التي لا يستساغ ذكره؛ وإنما لأنه شديد الالتّصاق بذاتها فبات (مبدأ) ثاويا فيها.

وربما يرجع ذلك إلى تنوع الأطروحات التي شغلت بال المنظرين حول (الحداثة)، كإشكالية في بنية الفكر (الغربي)، فادى ذلك بالنّتيجة إلى أن يكون مبدأ الرّفض لما هو (ايقوني) مبدأ ثاويا في بنية الفكر لما يرتبط بما بعد الحداثة. تماما كالطّفل الذي يحاول الكتابة تعلما، فهو بعد التّعلم، تكون الكتابة كطريقة للتعبير، قضية ثاوية فيه، وما عليه الآن سوى أن يبدع. لا اريد القول بان الحداثة خلت من الإبداع، وإنها كانت بنحو ما تشابه مرحلة التّعلم، وإنما يبغي التّأكيد على أن الحداثة برمتها ما كانت سوى تأسيس لما سيأتي بعدها، سواء أكان ذلك متعلقا بالكيف أم بالنّوع، ولذلك كان يحكم هذا التّأسيس نوعا من الاتحاد الفكري، محوره رفض (القيم) بكل تنوعها. بالوقت الذي ارتكزت فيه منجزات ما بعد الحداثة على تفكيك المحور في كل شيء، أي إن السّعي والاشتغال في الحداثة على الرّغم من تعدد وجهات النّظر وتعدد الاتجاهات الفكرية والأساليب وتعدد تطبيقاتها، نجد أن هذا التّعدد كله اجتمع في محور الرّفض لكل ما هو تقليدي، وما عملته (ما بعد الحداثة) انصب في رفع الحواجز ما بين الأساليب والتّطبيقات والاشتغال في حرية سمحت بأن يتغيب التّعدد وان يتغيب التّجنيس.
ما بعد الحداثة لا تتحدد إلا انطلاقاً من المعطيات التي أَسَّسَتْ عليها الحداثة رؤيتها للعالم، والعكس صحيح أيضاً. ذلك أنه مع ظهور التيار ما بعد الحداثي اكتشفنا الحداثة بشكل مختلف، وتمكنَّا من التّعرف عليها ليس فقط في ضوء مشروعها التّاريخي الغربي وإنما في آثارها وحقولها المختلفة مِمَّا جعل الحداثة وإرثها التّاريخي تبدو متآكلة وبالية، ” فالحداثة أصبحت مُلْغَاةً في هذه الأزمنة، إنها شيء تجاوزه الزّمن، لقد كفت الحداثة عن أن تكون حديثة “[13]، إن إنجازات مشروع الحداثة، بكل مراحلها الكرونولوجية وتبايناتها الفكرية، بدأت تفرز تداعياتها في تمجيد العقلانية وتراجع الرّوحي وحيرة الكائن وعجزه ومصادرة إمكاناته، لتغدو هذه الإنجازات موضع تساؤل منذ الخمسينيات، خاصة مع اندلاع حرب فيتنام، وانتفاضة الشّباب في فرنسا عام (1968)، لتعقبها أزمة السّبعينيات الاقتصادية، وتراجع التّجارب الدّيمقراطية الاجتماعية في أوروبا، والطّفرة التّكنولوجية، وسقوط الأنموذج السّوفييتي، ومؤخراً الظّهور الطّاعن للعولمة، مما أدى إلى انهيار أوهام الحداثة في أشكالها السّابقة، وفسح المجال لظهور تيارات فكرية، أعادت النّظر في أفكار عصر التّنوير عن العقل والتّحرر والتّقدم وانتقدت مشروع الحداثة وسعت إلى مراجعته، برفض تصور الابستومولوجيا الغربية للحقيقة، القائمة على ادعاء قدرة المعرفة والتّنبؤ، والتّمرد على ما أطلقت عليه (أسطورة الذّات) التي تراها كمركز للعالم، ونقد المنطق الكلي في السّياسة والأخلاق، وما ينحل عنه من أنظمة متسلطة، ومعارضة ميتافيزيقيا التّفكير الفلسفي التي تتحصن بمعرفة يقينية خالية من احتمالات التّناقض واللّاتحديد والانقطاع[14].

ويمكننا القول بأن العالم على ما فيه من تحولات كبيرة وجذرية إلا انه بقي مأسورا لانموذج التجربة، وهي وحدها التي عبر بها الانسان من مرحلة الصيد والنيئ (في فترة الكهف) الى مرحلة التدجين والزراعة والشوي (في مرحلة الحضارات القديمة)، ومن ثم الى مرحلة الكتابة والتعليم والتعبير والانتماء الايديولوجي (في مرحلة الحضارات الوسيطة)، وهكذا انتقلنا الى مرحلة الصناعة والآلة والجرارات والمكائن (في مرحلة عصر النهضة)، ثم الانتقالة المهمة إلى (مرحلة التكنولوجيا) في مرحلة الحداثة، واخيرا الانتقالة الاهم الى عصر او(مرحلة الطيف الموجي) العالمي الراهن او المعاصر، وفقا لمفهمة الحضور الذي نسميه بعالم العولمة.

إن ما بعد الحداثة كتوجه عام وكلي، وفي كل التّقديرات، إما أن تكون مجرد فكرة في أذهان مستخدميها وفي منجزاتهم، أو هي مفهوم متكامل في الرّؤية لدرجة عدها مشروعا لاحقا للحداثة، أو هي ظاهرة ثقافية تميزت بها المرحلة المعاصرة أو الرّاهنة للفكر الغربي بشكل عام. هذه التّقديرات الثّلاثة، يجد الباحث أنها تمثل النّمو الفعلي لأي إتجاه فكري، سواء أكان متعلقا بالحداثة، أم بما قبلها، أم بما بعدها؛ بمعنى إن أي تغيير في المسار لا بد أن يكون مجرد فكرة أولا، ومن ثم تكامل في الرّؤية لبلوغ درجة التّنفيذ (المشروعية)، وهكذا وصولا إلى الإعلان عن وجود التّغيير كظاهرة، وجودها قد تم بنحو يرتبط مع مجرد الفكرة وتطبيقاتها. وسواء أكانت (ما بعد الحداثة) كذلك، أم لا، فهي بالتّأكيد سوف لن تكون أكثر من كونها رد فعل على الحداثة.

غير انه لا يمكننا الجزم وبشكل قاطع بان (رد الفعل) هذا في بنية التّحولات جاء متوافقا مع الحداثة أم مختلفا عنها. وبالتّالي سواء أكان متوافقا، أم مختلفا، ألا يمكن أن نؤمن بوجود أوضاع متغايرة في بنية الاجتماع، والسّياسة، والفن، والفلسفة، والنّقد، وفي بنية الإنسان بشكل عام؟، وفقاً لـ(رد الفعل) ذلك الذي جاء متواليا في نموه من مجرد فكرة إلى تكامل في الرّؤية إلى وجوده كظاهر. ثم ألا يمكننا القول بأن – ما بعد الحداثة – بهذه المعطيات التي نمت في إثبات وجودها كغيرها من التّحولات (وهي موجودة بالفعل)، وفقاً لهيمنتها الثّقافية التّغيرية والتّحولات السّريعة التي لحقت كل الجوانب الحياتية في ظلها، أنها تشكل موقفا تاريخيا من غير المعقول تجاوزه أو في الأقل إغفاله، وأنها الآن أصبحت تشكل سياقا حضاريا ثقافيا جديدا، يتمركز حول ” حالة من فقدان المركزية، ومن التّشعب”[15] ومن التّفكك في كل مفاصل الحياة – كما سيأتي – سواء أكانت اجتماعية أم سياسية أم فلسفية أم نقدية أم فنية، أم نركن إلى القول الذي يؤكده عنها بعض المفكرين بأنها فعلا بقيت (مفهوما فضفاضا يصعب الإحاطة به)[16].

وفي تقديري إن أي نمط فكري يبدأ بالنّمو شيئا فشيئا يلقى ما لاقته (ما بعد الحداثة) تماما، خاصة في بوادر الأمر، فلا ننسى ما جابهته الحداثة في الكثير من مواطن تحولاتها الفكرية والأدائية، ولنضرب مثلا على ذلك، ليس قياسا وإنما شاهدا، (معرض المرفوضات) الذي ترك وجودا في التّاريخ بوصفه تحولا فكريا، أكثر من كونه حدثا فنيا، وتماما كما لاقت الحداثة مؤيدين ورافضين، فقد لاقت ما بعد الحداثة كذلك مؤيدين لها ورافضين.
إن ما بعد الحداثة سواء أكانت لها وجودها المستقل (كظاهرة) أم لا، وسواء أكانت متفقاً عليها في كل شيء – المصطلح، الآليات الأدائية، الأبعاد الفكرية – أم لا، علينا أن نؤمن بوجودها، ولو مرحليا، وان نقابلها (بالحداثة) من قبيل معرفة الشّيء لا تتم إلا (بنقيضه أو بشبيهه)، وفي كلا الحالتين فإننا سنقف على إشكالياتها الفعلية، سواء أكانت غير (الحداثة) من جهة أو (امتداداً لها) من جهة أخرى. خاصة ونحن نعلم أن المؤيدين لها تمثلوا بالمصطلح (post modernism) الذي ” جاء كرد فعل ضد جوانب معينة من الحداثة، من اجل تصحيح التّجاوزات أو العيوب”[17] التي مرت بها الحداثة في تجربتها الدّؤوبة الفاعلة. وان الرّافضين لها تمثلوا بالمصطلح (Ultra modernism)، ”الذي جاء لتطوير نتائج الحداثة مهما كانت، متوجهين نحو الإبداع الفردي وحرية الفنان”[18]؛ بمعنى أن المؤيدين يدعون إلى كونها تمثل نقيضا عن الحداثة، وبالتّالي فإن ما بعد الحداثة هي غير الحداثة، والرّافضون لها يدعون إلى كونها تمثل شبيها للحداثة وما (ما بعد الحداثة) إلا امتداد ليس إلا. قطعا نحن كمتطلعين على كلا الاتجاهين الفكريين، بإمكاننا التّشخيص ومن دون شك بان ما بعد الحداثة هي غير الحداثة، وان كان دليلنا مستشفاً من الواقع الفعلي لكليهما، إلا أن ذلك لا يعني أبدا أننا سنقف عاجزين أمام تحديد نقاط أساسية في بنية كليهما، فنحن ندرك ولو بشكل إجمالي، أن التّحولات التي أجرتها الحداثة قد أنتجت مجتمعا رافضا ومتفاعلا مع معطياته، فأطلق عليه (مجتمع ما بعد الصّناعة)[19]، نتيجة للتطورات التي عزيت إلى تحرر الذّات، ونحن ندرك أن التّحولات التي أجريت على يد ما بعد الحداثة، قد أنتجت مجتمعا (باحثا) وتجريبيا، فأطلق عليه (مجتمع ما بعد التّقنية). نتيجة لما حدث من تحولات ارتبطت بالتّكنولوجيا – وبـ(الكومبيوتر) الحاسوب، وبالمعلوماتية، وبالتّداول وغير ذلك[20]. فإذا كانت ثمرة الحداثة (الذّات)، فإن ثمرة ما بعد الحداثة (المُنتَج) الاستهلاكي؛ أو لنقل إذا كانت ثمرة الحداثة متعلقة (بتبدل مفهوم الاتصال)، فان ثمرة ما بعد الحداثة ارتبطت (بتبدل مفهوم المعلومات وتداولها)، والانفتاح حتى في عمليات الفهم؛ بمعنى أن هذه التّحولات الكلية في بنية المجتمع، لا شك في كونها تمثل مؤشرا أوليا على أن ما بعد الحداثة هي غير الحداثة[21].

وثمة مؤشرات قديمة لهذه الأفكار (المتحولة)، حتى تحل في الواقع على أنها (ظاهرة) محكمة بقوانين تطبيقاتها الفعلية، كتلك التي كانت تمثل خطا ستراتيجيا عاما تمثل بالدّين- ومن ثم بالإقطاع- ومن ثم بالصّناعة – ومن ثم بالسّياسة وحروب السّيطرة – ومن ثم بالرّفض لكل ما هو قديم وإنشاء ستراتيجية جديدة (العقلانية البديلة- الحداثة)، والآن (العولمة والمعلوماتية – ما بعد الحداثة).

وفقاً لهذه المؤشرات أنجد السّتراتيجيات السّابقة في قيادة المجتمع قد قدمت الحلول الأنموذجية، أم إنها قاصرة، ولذلك سرعان ما يتم التّحول إلى ستراتيجية أخرى، فلربما كانت الإقطاعية تزود الملايين (بالخبز)، وهي أفضل شأنا من حقبة (الصّناعة)، التي سرحت الكثيرين عن العمل إن لم تكن أبادتهم كما فعلت ذلك ستراتيجية الفكر السّياسي ودوافع السّيطرة على الثّروات، ترى هل كانت تلك السّتراتيجيات تمثل الحلول الاجتماعية العامة، أم أنها كانت تمثل الأفراد (رهبانها والمنتفعين منها). من هنا يمكننا القول بان الحداثة أرادت بما قدمته أن تعطي منطقا بديلا عن ذلك الذي يحول الوجود إلى مكاسب فردية، وإن على الحضارات أن تتلاحق (تتصل) في ما بينها بغية أن يسود الاحترام كلا طرفي (الاتصال) الأمر الذي يؤكد أهمية الدّور الغربي في الحداثة العربية – كما سيأتي- وعليه فان ما بعد الحداثة في مبدئها أكثر سموا في تقديم (المعلومات) كستراتيجية أخيرة، تكون فيها المكاسب كونية، بعد أن مرت بمرحلة الطّائفية في الدّين، والفردية في الإقطاع، والطّبقية في الصّناعة، والدّولية في السّياسة، والحضارية في الحداثة.

كما أن ما بعد الحداثة، بهذه السّتراتيجية الجديدة (المعلوماتية)، ربما يكون من المحتمل عدم استبعاد التّنافس والدّخول في حروب من اجل السّيطرة على المعلوماتية ذاتها، كما كان التّنافس مبدأً مشروعا في السّتراتيجيات السّابقة، بمعنى أن الثّروة البديلة الآن تعني (الطّاقة) و(القوة) و(النّفوذ) وهي الأيدي العاملة، والإنسان الآلي البديل، وهي كل شيء، ” فهل نركن إلى تصور بعض أصحاب النّظرة المتفائلة في أن (التّكنولوجيا كالماء والهواء) لا تقبل الاحتكار ما دامت هي حصيلة تراكم النّشاط البشري على مدى العصور، فمن حق الجميع أن يستفيد من نتائجها، أم نقلق مع الفيلسوف الذي ينذر بان عصر المعلومات ما هو إلا مرحلة جديدة من مراحل الصّراع العالمي”[22].

وبعيدا عن رتابة (الصّراع) وأطرافه المتقابلة، وقريبا من فكرة المكاسب الكونية وتساوي الجميع في الحصول على المعلوماتية، التي غيرت الكثير من ممارسات الإنسان في الحياة وبشتى المجالات فيها، فمن كان يصدق أن تدفع الأموال لشراء مساحات في الهواء تدعى (مواقع الكترونية)، ومن كان يصدق أن تخزن في هذه المواقع كل ما يراه الإنسان مفيدا له في ممارساته الحياتية، وعلى أية حال دفعت هذه الفكرة لان يتحول الاهتمام بمسائل وقضايا غير تلك التي كانت تهتم بها (الحداثة) سابقا، هذا الكلام بالطّبع ينطبق على بنية المجتمع الغربي، إذ ما زالت حتى اليوم ثمة مشاكلات في بنية المجتمع الشّرقي، فـ”من السّابق لأوانه أن نتحدث عن عصر ما بعد الحداثة: فظروف الحداثة ما زالت تنتظر التّحقيق لدى الشّطر الأعظم من شعوب العالم”[23] ومنها الشّعب العربي للأسف.

إذا فالحداثة لها مراكز اهتماماتها تمثلت في (الرّفض) و(الذّات) و(الاتصال)، ومراكز اهتمام ما بعد الحداثة تمثلت حول فهم الرّفض و(الاختلاف) و(المنتج) و(المعلوماتية)، ولكن أليس من المنطقي أن تكون هناك ثمة دوافع تدير دفة هذه التّحولات في الاهتمام بالمراكز؟.

===== المصادر ======

[1]. نقلا عن: إيهاب حسن، نحو مفهوم ما بعد الحداثة، ت: صبحي الحديدي، مجلة الكرمل، العدد (51)، ربيع (1997)، ص 13.

[2]. بحسب توجهات اغلب مفكري العالم الغربي، ثمة (بعدية) بدأت ترافق مصطلح (الحداثة) أخذت تلوح في الأفق وبشكل مبكر جدا، فأولى الكتابات كانت في العام (1875) كما تقدم، وفي عام (1914) جاء لفظ (ما بعد الحداثة) بمقال حمل العنوان الذي سيشكل مدار بحث الدّارسين والمهتمين والمتطلعين حتى اليوم، وهو عنوان المقالة ذاتها: (ما بعد الحداثة) للكاتب (جي. ام. تومبسون)، الذي نشر في مجلة (هيبرت)، وعلى الرّغم من كونه مقالا ليس فنيا جماليا متخصصا، فقد كان متوجها لنقد الدّين بصبغته الكاثوليكية، إلا أنه يعد سابقة فكرية للخوض في غمار حقبة بعدية جديدة، وقد أشار المقال إلى ضعف وهشاشة الحداثة بوصفها المخصوص للحضارة الغربية المعاصرة آن ذاك فقال: ” إن علة وجود مرحلة ما بعد الحداثة هي للهروب من ضعف أفق الحداثة، بأن نكون مُجـدين في نقدها عن طريق توسيع نطاقها لتشمل الدّين فضلا عن اللّاهوت، وإلى الشّعور الكاثوليكي، وكذلك التّقاليد الكاثوليكية ” ينظر: جي.إم. ثومبسون، ما بعد الحداثة، مجلة هيبرت، المجلد الثّاني عشر، الرّقم الرّابع، يوليو 1914 ص 733. عن: http://ar.wikipedia.org (ما بعد الحداثة، فلسفة).
وعلى الرّغم من علمنا بأن النّقاد لمرحلة الحداثة هم كثيرون إلا أن هذا العمل الافتتاحي جاء مسجلا بعنوان (البعدية) في اللّفظ الذي تلا لفظ الحداثة، وفي عام (1917) استخدم (رودولف بانويتز) هذه العبارة لوصف الثّقافة التي تنحى منحىً فلسفيا. وبشكل عام جاءت فكرة ما بعد الحداثة إلى (بانويتز) من تحليل نيتشه للحداثة وغاياتها من الانحلال والعدمية، وأنها حداثة ناقصة أو مشروع لم يتاح له الاكتمال بعد. ثم اصدر الكاتب (بي. آي. بيل) في عام (1926) كتابا بعنوان (ما بعد الحداثة وغيرها من دوائر العمل). وفي عامي (1921 و1925)، كانت تستخدم لوصف الأشكال الجديدة من الفنون والموسيقى، وفي عام (1942) قام (إتش. آر. هايس) باستخدامها لشكلٍ أدبيٍ جديد، ولكنها استُخدمت بوصفها نظرية أو حركةٍ تاريخيةٍ عامة لأول مرة في عام (1939) من قبل المؤرخ (آرنولد جي توينبي)، وفي عام (1949)، كانت تُستخدمُ للدلالة على عدم الرّضا عن العمارة الحديثة، مما أدى إلى الحركة المعمارية ما بعد الحداثية. وتم تطبيق هذا المصطلح على مجموعةٍ كاملةٍ من الحركات التي كان العديد منها في الفن والموسيقى والأدب، وكانت ردات فعلٍ ضد الحداثة، وعادةً ما اتسمت بالإحياء لعناصر وتقنياتٍ تقليدية. ويحدد (والتّر ترويت اندرسون) ما بعد الحداثة بوصفها واحدة من أربع نظراتٍ للعالم، وهذه الآراء الأربعة هي: (ما بعد الحداثة السّاخرة)، التي ترى أن الحقيقة منتجٌ اجتماعي؛ و(العلمية-العقلانية) التي ترى الحقيقة من خلال المنهجية، والتّحقيق المنضبط، و(الاجتماعية-التّقليدية) التي تُعلم الحقيقة فيها من تراث الحضارة الأميركية والغربية؛ و(الرّومانسية الجديدة)، التي ترى الحقيقة من خلال تحقيق الوئام مع الطّبيعة أو الاستكشاف الرّوحي للذات الدّاخلية. ينظر في ذلك: http://ar.wikipedia.org (ما بعد الحداثة، فلسفة). وكذلك: د. باسم علي خريسان، ما بعد الحداثة – دراسة في المشروع الثّقافي الغربي، دار الفكر، دمشق، 2006، ص 196. وكذلك، باسم علي خريسان، السّلطة وفلسفة ما بعد الحداثة، محطات استراتيجيه، مركز الدّراسات الدّولية، ع 76، بغداد، (2000).

[3]. يطلق مفهوم الشّركة القابضة على الشّركة الضّخمة التي تحتوي على عدة شركات تابعة لإدارتها. وإن لم تكن هذه الشّركات من نفس المجال التّجاري. وهذه الشّركة تقوم على أساس من الاسهام الفعلي في رؤوس الأموال للشركات التّابعة والتّعاون بين الشّركات أعضاء المجموعة دون احتكار معلن أو مغطى، وشركة ماكدونالدّز (بالإنجليزية: McDonald s Corporation) هي إحدى أكبر سلسلة لمطاعم الوجبات السّريعة في العالم. الطّعام الأساسي الذي يعده هو الهمبرجر بأنواعه وأحجامه المختلفة، بطاطس مقلية، بعض وجبات الإفطار، مشروبات غازية، حليب وحلويات، المثلجات وحديثاً يقدم المأكولات الصّحية كالسّلطات. ويقدم وجبة للأطفال مع هدية (لعبة) غالباً ما تمثل شخصية رسومية (كرتونية) محببة للأطفال. ماكدونالدّز شركة تجارية مساهمة يملكها الملايين من الأشخاص بالعالم هدفها الأساسي تحقيق الأرباح وهي لا تدعم أي نشاط ديني أو سياسي وذلك حفاظا على مصالحها التّجارية في جميع انحاء العالم. ينظر في ذلك: ماكدونالدّز (http://ar.wikipedia.org)، وكذلك: شركة قابضة (http://ar.wikipedia.org).

[4]. ينظر: بيتر بروكر، الحداثة وما بعد الحداثة، ت: عبد الوهاب علوب، مر: جابر عصفور، منشورات المجمع الثّقافي، ط1، أبوظبي، 1995م، ص 47-49.

[5]. ينظر عن هذا المفكر الفرنسي: (http://en.wikipedia.org/wiki/Jean_Baudrillard).

[6]. Henry L. Mencken, A New Dictionary of Quotations on Historical Principles. From Ancient and Modern Sources (New York: A.A. Knopf, 1942) , p. 169.
وكذلك
– Dick Hebdige: Hiding in the Light: On Images and things, London and New York, 1988, P195.

[7]. أرى أن في لفظة الكوني اليوم ثمة دلالات كثيرة إحداها أرحب من الأخرى في انطباقها على الموضوع فالإنسان يراد به انه كوني بما هو موجود فعلي، أو يراد بالكوني الاشتغال العالمي ضمن حدود الكرة الأرضية وسمائها بما فيه من أقمار صناعية وتداول موجي اشاري لمنظومات المعلوماتية الجديدة، أو يراد به الإشارة إلى ابعد من الحدود الأرضية ليصل إلى أطروحات المجالات العلمية والاكتشافات الفلكية التي وصلت إلى مديات كبيرة ومهمة في المجال الكوني، وباستخدام التّقنية.

[8]. أثار ليوتار انتباه الباحثين والنّقاد عندما أصدر نص: “الوضع ما بعد الحداثي” العام 1979 إذ طرح الأفكار الأساسية لتيار ما بعد الحداثة منتقدا في ذلك قيم الحداثة من عقل وتقدم وتاريخ وحرية ليخلص إلى فكرة أن مشروع الحداثة ذاك قد باء بالفشل؛ فشل تجلى في الحروب وانتشار المجاعة والأمراض وعدد من القضايا الفاسدة وانتشار السّرديات الكبرى أو الميتا- سردي. هذه المعطيات كلها أفرزت وضعا فقد الثّقة في كل ما كانت الحداثة تصفه بالمنجزات الايجابية من تقدم وحرية وديمقراطية وعلوم، لأنها كمنجزات كانت تركز أساسا على تحقيق المنفعة متناسية في الوقت ذاته قضايا الإنسان. ويتضمن هذا النّقد تقريرا عن وضع المعرفة العلمية في الدّول الأكثر تطورا خلال القرن العشرين، كما أنه تضمن حالة الثّقافة في أعقاب التّحولات ذات التّأثير الكبير منذ نهاية القرن التّاسع عشر، وقد عبر ليوتار عن هذه التّحولات بصيغة “أزمة الحكايات أو السّرديات الكبرى”. وهذا انعكس على مفهوم الحداثة إذ يحددها ليوتار في كونها شكل من أشكال المعرفة التي تعطي نفسها مشروعية الاستناد إلى “ميتا-الخطاب”- أو “السّرديات الكبرى” أو “الحكايات الكبرى”- من قبيل الذّات المطلقة أو العقل المطلق أو الحقيقة المطلقة، مبرزا أن كل هذه السّرديات الكبرى تتحدد مرجعيتها في فلسفة وقيم التّنوير. لذا، يعرف ليوتار ما بعد الحداثة بقوله: “التّشكك إزاء الميتا- حكايات. هذا التّشكك إنما هو نتاج التّقدم في العلوم”. من هنا نفهم تركيزه على أهمية المعرفة العلمية باعتبارها العامل الذي ساهم في الانتقال إلى مرحلة ما بعد الصّناعية. ينظر للمزيد: (ليوتار، الوضع ما بعد حداثي، ت: احمد حسان، دار شرقيات للنشر، القاهرة، مصر، 1994، ص24) وكذلك: (جيمس وليامز: ليوتار، نحو فلسفة ما بعد الحداثة، ت: إيمان عبد العزيز، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2003، ص12).
وكذلك: محمد بوجنال، في سلعنة وتسليع الدّين، من خلال الرّابط: (http://mohammed-boujnal.blogspot.com/).

[9]. د. باسم علي خريسان، ما بعد الحداثة – دراسة في المشروع الثّقافي الغربي، مصدر سابق، ص 192 – 193. وهو يشير إلى ما بعد الصّناعي كتسمية إلى مطلقها (دانييل بل) لوصفه التّحول الحاصل حيث ننتقل من مجتمع تتحكم به العوامل المادية إلى مجتمع تتحكم به المعرفة.

[10]. ينظر: صبحي حديدي، الحديث، الحداثة، ما بعد الحداثة: ماذا يعني في ” الما بعد ” من قبل ومن بعد؟، مجلة الكرمل، العدد 51، ربيع 1997، ص 52. وكذلك: هنري لوفيفر، ما الحداثة، ترجمة: كاظم جهاد، دار ابن رشد للطباعة والنّشر، 1983، ص29. إلا انه يشير بقوله إلى أغلب التيارات التي أخضعت مشروع الحداثة الغربي للإجراء النّقدي بهدف الحد من الأزمة والتّوتر قد نجحت إلى حد ما في رد الاعتبار للحداثة، فإن الأزمة لم تنته رغم كل الجهود المبذولة بل إنها كما يقول “لوفيفر” لم تطرح بعد جميع نتائجها “وهي ستظل تستمر وتتعمق وتنتشر، كما أن عناصر جديدة ستحاول الدّخول في خضمها وتعديلها، وفي النّهاية فإن حقبة أخرى ستبدأ مع القرن الحادي والعشرين”. وكذلك: فرنسيس فوكوياما، نهاية التّاريخ والإنسان الأخير، ترجمة فؤاد شاهين، جميل قاسم، فؤاد الشّايبي، تقديم مطاع صفدي، بيروت، مركز الإنماء القومي، 1993م.

[11]. رضوان زيادة، تصدع الحداثة: الصّراع على العالمية اليونيفرسال، مجلة التّفاهم الإلكترونية،
(http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=652).
وكذلك: فيصل دراج: ما بعد الحداثة في عالم بلا حداثة، مجلة الكرمل، العدد (51)، ربيع 1997، مؤسسة الكرمل الثّقافية، رام اللّه، ص 82.

[12]. نظرية هبرماس حول الحداثة هي تشخيص فكري لهذه الأخيرة انطلاقًا من أصولها، أي أصول الوعي بها لدى هيغل، ومن التّلازم الحميم والصّميمي بين الحداثة والعقل والعقلانية والعقلنة لدى ماكس فيبر، واستلهامًا واستدماجًا لعطاءات العلوم الإنسانية الحديثة وبخاصة نظريات فلسفة اللّغة والتّواصل (فتغنشتاين وكارل أوتو آيل). أما المعنيون بالنّقد في كتابات هابرماس حول الحداثة فهم نيتشه وهيدجر، ثم ليوتار وفوكو، ينظر في ذلك: محمد سبيلا، دفاعًا عن الحداثة والعقل – هابرماس وأهميته للفكر العربي، الموقع الالكتروني (معابر)، (http://maaber.50megs.com/issue_september10/spotlights1.htm). وكذلك: كانط بين الفلسفة النّقدية – ما بعد الحداثة، شبكة الملحدين العرب
(http://376.mzfl.el7ad.com/smf/index.php?topic=35353.0). وكذلك يراجع عن طروحات هبرماس: محمد نور الدّين أفاية: الحداثة والتّواصل في الفلسفة المعاصرة، نموذج هابرماس، إفريقيا الشّرق، ط2، المغرب، 1998، ص 91. وكذلك: محمد الأشهب، الفلسفة والسّياسة عند هابرماس، مطبعة النّجاح الجديدة، الدّار البيضاء، المغرب 2006. وكذلك: حسن مصدق، يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت، المركز الثّقافي العربي، الدّار البيضاء المغرب، الطّبعة الأولى سنة 2005. وكذلك ينظر: حسن حنفي وآخرون، فلسفة النّقد ونقد الفلسفة في الفكر العربي والغربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، د ت.

[13]. رضوان زيادة، تصدع الحداثة: الصّراع على العالمية اليونيفرسال، مجلة التّفاهم الإلكترونية/ مصدر سابق، وللمزيد عن قدوم الحداثة وتهالك طروحاتها يراجع: حسان العرفاوي وروبير سانتو – مارتينو، الحداثة وما بعدها، مجلة العالم العربي في البحث العلمي، العدد 10-1999م، ص11. وللمزيد: ينظر: كاظم جهاد، من نقد الحداثة إلى ما بعد الحداثة، الكرمل، العدد52، صيف1997م، ص167.

[14]. ينظر: كامل شياع، في ثقافة ما بعد الحداثة وسياستها، مجلة (الطّريق).، العدد الاول، يناير_فبراير 1999، بيروت، ص 96.
وكذلك ينظر: محمد حافظ دياب: مدرسة فرانكفورت – جدلية الوحدة والتّنوع، مجلة (المنار)، العدد (57)، فبراير 1988، القاهرة، ص 124 – 125. وكذلك ينظر: فيصل دراج: ما بعد الحداثة في عالم بلا حداثة، مجلة الكرمل، العدد (51)، ربيع 1997، مؤسسة الكرمل الثّقافية، رام اللّه، ص 82. وكذلك ينظر:
London

[15]. مارجريت روز، ما بعد الحداثة، ت: احمد الشّامي، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1994، ص 14.
وكذلك ينظر عن فقدان المركزية والتّشعب:
– Dick Hebdige: Hiding in the Light: On Images and things, London and New York, 1988, P195
– Henry L. Mencken, A New Dictionary of Quotations on Historical Principles. From Ancient and Modern Sources (New York: A.A. Knopf, 1942) , p. 169.

[16]. مارجريت روز، ما بعد الحداثة، مصدر سابق، ص 13.

[17]. سيزار مورينو، أدب أمريكا اللّاتينية – قضايا ومشكلات، ت: احمد حسان عبد الواحد، سلسلة عالم المعرفة، 116، الكويت، 1987، ص 120.

[18]. سيزار مورينو، أدب أمريكا اللّاتينية – قضايا ومشكلات، المصدر السّابق، ص 120.

[19]. يشير النّاقد الماركسي) جيمسون – Jameson) نقلا عن د. عصام عبد اللّه. إلى المجتمع ” ما بعد الصّناعي” من زاوية العناصر الرّأسمالية، لا من زاوية (الحتمية التّكنولوجية)، وهو يتناول الرّأسمالية في مجتمع ما بعد التّصنيع، والتي يسميها (الرّأسمالية المتأخرة) بوصفها (شبكة عالمية جديدة لا مركزية) وهو يذكرنا بوصف (بودليار) لتكنولوجيا الاتصالات المعاصرة. يقول جيمسون: ” إن عجز عقولنا البشرية – على الأقل في الحاضر – عن استيعاب شبكة الاتصالات اللّامركزية متعددة الجنسيات التي تغطي كوكبنا والتي نجد أنفسنا نحيا خلالها (فرادى) تشير إلى أننا لم نؤهل بعد لفهم الطّبيعة الحقيقية لما يجب أن يسمي بـ(الرّأسمالية المتأخرة) “. إن ثقافة ما بعد الحداثة – عنده هي ثقافة الرّأسمالية، ومجتمع ما بعد التّصنيع هو مجتمع (الرّأسمالية المتأخرة) أو المجتمع الاستهلاكي، مجتمع وسائل الإعلام والإبهار، أو الرّأسمالية متعددة الجنسيات. أما النّاقد الأميركي المصري الأصل (إيهاب حسن) فقد طور هذه الأفكار الخاصة بمدينة ومجتمع ما بعد الحداثة والتّكنولوجيا، وتابعه في القول بـ(القرية الكوكبية) أو الكونية، التي ستنشأ عن تطور تكنولوجيا الاتصالات، فالتّكنولوجيا خاطفة السّرعة ستحل محل التّكنولوجيا التّقليدية وسيصبح الحاسوب بديلا (للوعي) أو كامتداد للوعي الإنساني. ولخص (حسن) ثقافة ما بعد الحداثة بأنها: تيار يعتمد على تجاوز الصّبغة الإنسانية للحياة الأرضية بصورة عنيفة، بحيث تتجاذب فيها قوى الرّعب والمذاهب الشّمولية، والتّفتت والتّوحد، والفقر والسّلطة وربما أدى ذلك في آخر المطاف إلى بداية (عهد وحدة كوكب الأرض) انه (عهد جديد) يتحد فيه الواحد مع الكثير، ذلك لأن تيار ما بعد الحداثة ينبع من الاتساع الهائل للوعي من خلال منجزات التّكنولوجيا التي أصبحت بمثابة حجر الأساس في (المعرفة الرّوحية) في القرن العشرين نتيجة لذلك أصبح الوعي ينظر إليه على أنه مجرد (معلومات) والتّاريخ على أنه (حدوث). للمزيد يراجع: د. عصام عبد اللّه، يوتوبيا ما بعد الحداثة، مقال منشور على المدونة الاتية: (http://www.doroob.com/archives/?p=16981) وكذلك ينظر:
– Daniel Bell. The Coming of Post-Industrial Society. New York: Harper Colophon Books, 1974. pp. 30-37.
– Keith Boeckelman, The American States in the Postindustrial Economy. The State and Local Government Review. Vol. 27, No. 3 (Autumn, 1995) , pp. 182-187

[20]. ينظر:
– Herbert G. Blumer. “Collective Behavior.” In Alfred McClung Lee, ed., Principles of Sociology. Third Edition. New York: Barnes and Noble Books,1969, pp. 65–121.

[21]. ينظر للمزيد: نبيل علي، العرب وعصر المعلومات، سلسلة عالم المعرفة، 184، الكويت، 1994، ص 11.

[22]. نبيل علي، العرب وعصر المعلومات، سلسلة عالم المعرفة، 184، الكويت، 1994، ص 11.

[23]. توبي أ. هف، فجر العلم الحديث – الإسلام، الصّين، الغرب-، ت: د. محمد عصفور، سلسلة عالم المعرفة، 219، الكويت 1997، ص 24.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *